Saturday, 22 February 2014

مشاهد مُتقطِّعة






شردت للحظات بعد ذلك المشهد الذي مر سريعاً على فص مُخّي الجّبهي -كُنتِ بطَلَته كما اعتدت مُنذ خلافنا الأخير-, رأيت شاباً على إحدى مقاهي جدّات باريس يتذوق أحمر شفاه فتاته الشقراء و قد اتّخذت من رُكبتيه كُرسياً كتلك المصفوفة أمام بار إحدى الحانات حين أزعجتهُ قليلاً خُصلة من شعرها المُنسدِل على وجهها حيثُ حالت بينه و بين شفتيها, فباغتته بمُداعبة لطيفة و ابتسامة تذوب لها ثلوج قمم ألاسكا في ذُروة الشتاء, فأومأ بوجهٍه راضياً قنوعاً بتلك الابتسامة الصغيرة المُتأسِّفة عمّا بدر من خُصلة شعرها التي حرمته من قمة نشوة مشهد من الجنّة.. ثُم مر على مُخيِّلتي عجوزُ و زوجُه قد جار عليهم الزمن و تجرع من ماء وجههم حتى تجعّدت علاقتهم بين روتينية مُشكلات الحياة و خلافات وجهات النظر و اضمحلال ذاكرة أحدهم حتى لا تقوى على استحضار ذلك التاريخ المنحوت على ذاكرة الآخر, كما الجروح المنحوتة على أوردة الأول, ولا يزال تقديس قلوبهم لتلك العلاقة يفوق تشكيك عقولهم بوجودها المادي, و تفوق تلك النشوة التي لم تغِب يوماً حدود مُشكلاتهم و خلافاتهم اليومية فيلوذ كلاهما بالفرار إلى حُضن الآخر لتذوب بداخله فتختفي ولا تكاد تشعر أنسجتُه بغير الدفء ولا تُصغي أذنيه لغير الموسيقى القادمة من ذلك الغرامافون الذي قلّما يشعُرا بجمال الحياة دونه.. فذاب بداخلي ذلك الخلاف حتى أنني نسيت في خضم خلافاتنا الكثيرة مؤخراً في أي موضوع قد اختلفنا مُجدداً, و لم أُفكر بغير تلك الدقائق بل الثواني التي نتفنن في اختلاق أسباب نبتعد على إثرها فيها عن حانتنا الخاوية من البشر حيثُ نحتسي خمرنا, فصُعِقت للحظة و كأن أحدهم قد مرر بداخلي تيار كهربي بقوة تفوق جهده ال1000 فولت فسُرعان ما رميت قلمي و انتفضت من على كُرسيِّ أمام بار مطبخي المُطل على الصالة و خطفت بعض الملابس –لم أر شكلها- المُنتشرة في كُل مكان على أرضية صالة شقتي الموحشة, و ذهبت ألهث مُسرعاً إلى هُناك حتى وصلت إلى الباب المفتوح مُسبقاً لأستند عليه مذهولاً و أنتِ واقفة قُرب البار المُقابل مُنتصبة الجسد بشعرك الأسود المُنسدل على ظهرك الذي طالما أحببته, تقبضين بيدكِ اليُمنى نصف زُجاجة Heineken فارغة مُدببة الأحرُف تتقاطر بداخلها قطرات من دم يتسرّب من يدك, فصُعقت مرة أُخرى و بنفس قوة التيار التي مرت بجسدي و قد إستدارت عيني بقُطر يتجاوز ال10 سم و أنا جالس على كُرسيِّ أمام بار مطبخي..
يُراودني ذلك الحلم يوميّاً بعد أنا أغفو مُتعباً من تكرار عقلي الباطن لاسمك..


Friday, 14 February 2014

يوماً لا يذكُر ملامِحي



الحياة ليست مُنصفة على كُل حال..
هي دائماً تُريد الحرب, القتال, لا تخضع أمامكِ هَكذا, وحدها..

أعلم أنني أُزعجكِ بأحاديثِ غريبة دائماً, لكن أعِدُك أن هذا سيكون الأخير..
أعلم أيضاً أنني دائماً ما أُخلف وعودي, لكن, على أي حال..

فلسفتي في قسوة تلك الجبال, و هياج تلك الأمواج و غضب تلك الوحوش, مُختلفة قليلاً,
أنا مُتيقن أنها كانت يوماً لطيفة عمّا هي عليه الآن, يوماً لا يذكُر ملامحي..

في هذا اليوم, عندما أخبرتني أنني قد تغيّرت, تذكُرينَهُ..!
لم أكُن أهرب كما اعتّدتُ دائماً, أنا حتى لم أكُن أحاول..

لقد كسرُوني يا عزيزتي, لم أكُن قويّاً كفايةً كما كُنتِ تتخيليني..
يُريدوني دُميةً, كقصتِنا التي حرّكناها على المسرح سوياً, صفقوا لنا بحرارة يومها, و لم نكن نعرف لمَاذا,
عرفتُ الآن..

هُم مُتحمِّسون جداً ليربطوا رؤوسنا بخيوطهم المُتدليِّة من أصابعهُم..
ضحايا جُدُد..

ألم أُخبركِ!, ذهبت كثيراً إلى مكانِنا الذي كُنا نلتقي فيه دائماً, لن تذكُرينهُ, فنحنُ لم نذهب إليه يوماً قبل ذلك..

تقطيعي لخيوطِهم لم يكُن شذوذاً, لم يكُن كُفراً, كما يُخبروكِ,
 أنا كفرتُ بهم..

ينكشفُ كُل شًئِ تحت الأضواء في ذلك المكان البعيد, مُضئ جدّاً و ملئ بهُم, لذا كُنت أخاف الذهاب إليه, سامِحيني..

قالت أُمي لأخي الصغير في نهار يومِ من أيامِ أيلول, و رأسها مُتدلياً من شِبّاك غُرفتي و هو ذاهب ليتلقّى دروسَه: سِرْ حيثُ لا تُمطر, ثُم نظرت إلىَ باسمة و أنا جالس فوق سريري و قالت: و كأني أُخبره ألا يسير تحت الشمس, كيف يسير حيثُ لا تُمطر, والشتاء في كُلِ مكان!, فابتَسَمْت.

أُمي دائماً ما كانت على صواب..!

لقد تحطّم البيت, الذي كُنا نتأمّلهُ دائماً و أنتي جالسة بجانبي على الضفة الأُخرى من النهر مُرتخية كأوراق شجر الخريف و هي تتهاوى, ورأسك قد تهاوى على صدري, الشجرُ كان يافعاً, ينظُر لنا, حين كانت تغنّي العصافير على غصونِه, صدري كان قويّاً وقتها ليتحمّلكِ..

لقد كُنت لطيفاً يوماً, عمّا أنا عليه الآن, يوماً لا يذكًر ملامحي..

لقد كسرتِني يا عزيزتي..