شردت للحظات بعد ذلك المشهد الذي مر سريعاً على فص مُخّي الجّبهي -كُنتِ بطَلَته كما اعتدت مُنذ خلافنا الأخير-, رأيت شاباً على إحدى مقاهي جدّات باريس يتذوق أحمر شفاه فتاته الشقراء و قد اتّخذت من رُكبتيه كُرسياً كتلك المصفوفة أمام بار إحدى الحانات حين أزعجتهُ قليلاً خُصلة من شعرها المُنسدِل على وجهها حيثُ حالت بينه و بين شفتيها, فباغتته بمُداعبة لطيفة و ابتسامة تذوب لها ثلوج قمم ألاسكا في ذُروة الشتاء, فأومأ بوجهٍه راضياً قنوعاً بتلك الابتسامة الصغيرة المُتأسِّفة عمّا بدر من خُصلة شعرها التي حرمته من قمة نشوة مشهد من الجنّة.. ثُم مر على مُخيِّلتي عجوزُ و زوجُه قد جار عليهم الزمن و تجرع من ماء وجههم حتى تجعّدت علاقتهم بين روتينية مُشكلات الحياة و خلافات وجهات النظر و اضمحلال ذاكرة أحدهم حتى لا تقوى على استحضار ذلك التاريخ المنحوت على ذاكرة الآخر, كما الجروح المنحوتة على أوردة الأول, ولا يزال تقديس قلوبهم لتلك العلاقة يفوق تشكيك عقولهم بوجودها المادي, و تفوق تلك النشوة التي لم تغِب يوماً حدود مُشكلاتهم و خلافاتهم اليومية فيلوذ كلاهما بالفرار إلى حُضن الآخر لتذوب بداخله فتختفي ولا تكاد تشعر أنسجتُه بغير الدفء ولا تُصغي أذنيه لغير الموسيقى القادمة من ذلك الغرامافون الذي قلّما يشعُرا بجمال الحياة دونه.. فذاب بداخلي ذلك الخلاف حتى أنني نسيت في خضم خلافاتنا الكثيرة مؤخراً في أي موضوع قد اختلفنا مُجدداً, و لم أُفكر بغير تلك الدقائق بل الثواني التي نتفنن في اختلاق أسباب نبتعد على إثرها فيها عن حانتنا الخاوية من البشر حيثُ نحتسي خمرنا, فصُعِقت للحظة و كأن أحدهم قد مرر بداخلي تيار كهربي بقوة تفوق جهده ال1000 فولت فسُرعان ما رميت قلمي و انتفضت من على كُرسيِّ أمام بار مطبخي المُطل على الصالة و خطفت بعض الملابس –لم أر شكلها- المُنتشرة في كُل مكان على أرضية صالة شقتي الموحشة, و ذهبت ألهث مُسرعاً إلى هُناك حتى وصلت إلى الباب المفتوح مُسبقاً لأستند عليه مذهولاً و أنتِ واقفة قُرب البار المُقابل مُنتصبة الجسد بشعرك الأسود المُنسدل على ظهرك الذي طالما أحببته, تقبضين بيدكِ اليُمنى نصف زُجاجة Heineken فارغة مُدببة الأحرُف تتقاطر بداخلها قطرات من دم يتسرّب من يدك, فصُعقت مرة أُخرى و بنفس قوة التيار التي مرت بجسدي و قد إستدارت عيني بقُطر يتجاوز ال10 سم و أنا جالس على كُرسيِّ أمام بار مطبخي..
يُراودني ذلك الحلم يوميّاً بعد أنا أغفو مُتعباً من تكرار عقلي الباطن لاسمك..
يُراودني ذلك الحلم يوميّاً بعد أنا أغفو مُتعباً من تكرار عقلي الباطن لاسمك..
No comments:
Post a Comment