Tuesday, 18 November 2014

شُهب نوفمبر.


18-11-2014
1:00 AM
16℃

عزيزتي، الليلة هي الأولى لمشاهدة شهب نوفمبر المتساقطة في سمائه الصافية من ليلتيه الشهيرتين، درجة الحرارة منخفضة بعض الشئ، أو بالأحرى هي الأنسب لحضنك.. لم أكن أعلم  النتائج الحقيقيّة وراء استيقاظي اليوم تحديداً على ألحان أحبالك الصوتيّة، حتى الآن وأنا أشاهد السماء كالمسرح الغنائي الراقص تحت انغام هدوء تلك الليلة وصفائها المريب في حضرتك وتجلّيكّ.

*تمر تلك الشهب بمحاذاة الأرض في مثل هاتين الليلّتلتين من كل عام..

عزيزتي، لقد مللت انتظار شهابنا وحدي لأُخبره بما أسرّاناه لبعضنا من أمنيّات وعلّقناها في سماء سريرانا، كما يبدو فقد ترنّح كثيرًا ودار في فلك حول نجمته الجميلة -كما توقّعنا-، حتى تتسنّى لنا الفرصة لرؤيته معاً، فقد رأيت للتوّ ذيله لكنه اختفى على عجله من أمره، ف آخبرته أننا سننتظره سويٍّا غدًا في نفس الز-مكان.

وأنّني سأذهب الآن إلى النوم.

Sunday, 16 November 2014

مُقدّسات.



علمتُ دائمًا أن ليديّها قُدسيّة، و عبادتهما في لمستنا الحريريّة،
وأن لعينيها قُدسيّة وعبادتهما في إطالة النظر فيهما و أنا متكئ على نافذة الترام و ذراعي حول خصرها،
وأن لشفتيها قُدسيّة وعبادتها في قبلتنا المخطوفة من أعين جماهير الطرق والأماكن العامة،
وأن لخُصلات شعرها قُدسيّة، وعبادتها في تتبُّع رائحته عبر الطرق،

وأن لجسدها قدسيّة..
وأنني حطّمت تلك الحصون، في وسط حُرّمت فيه مراسم الحب وتعاليم الجمال ومقدّسات الحياة.. 
سنتذوّق مرارة الحصار لنستلذ بحلاوة الحرّية، هذا هو المقابل، عزيزتي.

Saturday, 15 November 2014

باتاجونيا



عزيزتي، لقد عرفت مكاننا اليوم!

نعم!، بعد مداعبة اهتزازات أمواج صوتك لغشاء أذني الخفيف، إستقبل دماغي رسائل عصبيّة من مجهول؛ تفيد بأن "باتاجونيا" هى الأنسب لإقامتنا الجبريّة، مُهيّأة تمامًا لاستقبالنا، بشواطئها و جبالها ذات القمم الثلجيّة و أشجارها الفارعة، سمُّوها بهذا الإسم نسبةً إلى استخدام ماجلان لإسم "باتاجون" في عام 1520 لوصف شعبها الأصلي حيث يعتقد أنه كان من العمالقة، كما قصصنا الأسطوريّة الرومانسيّة و حدوتة قبل النوم، ذلك بعد ان علمت آنفًا بأن "مالطا" لن تستطيع فتح ذراعيها لنا؛ حيث إمتلأت بالأوجه الشاحبة و القلوب المحطّمة و الساسة الفاسدين و الثوّار الخاسرين في معارك أوطانهم..

بالمُناسبة، هناك كانت أول رقصة تانجو على شاكلتها الأرجنتينيّة.

إفتقدتك كثيرًا.

Friday, 14 November 2014

ما بتفيد



أعرف، لطالما أحببتّ زياد..

هكذا كان يومي، دقائق ممزوجة بالملل من فرط التجديد والضحكات والوجوه والخبرات الجديدة، محادثات وكلمات جانبيّة ملقاه على مسامعي، مواصلات وازدحام و عرق وساعات عمل مُملّة، سياسة وأخبار موت وقتل وانتحار لأُناس اعتدنا على كلماتهم التي تعطينا ثقة في حبنا للحياة وثقة في استحقاقها لهذا الحب، 

ومن ثم، إختلت بي نفسي في نهاية الليل، كما كل ليلة، دسست السماعات في أذني، و بدأت قائمة الموسيقى التي تحمل إسمك في ملامسة غشائها الخفيف و مداعبته، فتحت كتابي، على نفس الصفحة كما تركته آخر مرّة أخبرتك عن قراءتي له، ليو توليستوى كشف الحجاب أخيرًا عن شخصيّة "آنّا"، لكنني لم أعرف من وقتها ماذا حدث، عينيّا في الصفحة ذاتها تحاول إقناع أخونا هذا الكامن داخل جمجمته على القراءة لكنّه يأبى ألا يذكرني بك، و الأسوأ تخابره مع "زياد" ضدّي ليقتلانني،
و تمر ليلة أخرى دون جديد يُذكر عن صديقتنا "آنّا"؛

*كل الأحاديث ما بتفيد، مادامك مش معي.

Wednesday, 29 October 2014

حُب كافر!

عزيزتي، فيروز..

*أعرف كم ضجرت، و عانيت من مناجاة البعض لك هذه الأيّام، بعد أن تركوك شريدة آذان حجريّة لفترة ليست بالقليلة، أعرف أيضًا انك تركت فنًّا ليعيش، ليبقى دائمًا شغف الآذان الشابّة، و القلوب الصغيرة، التي يلمسها الحب لأول مرة، بالصيف و الشتا على حدٍّ سواء، ليس كما يقصر -المراهقين الجدد- صوتك على موسم الشتاء فحسب، في سكون الليل و سهر الليالي، و صوت يسعد صباح اللي يسمعك..

سأُطيل عليك إذًا، و عليك الخضوع للمناجاة..

فلتسمحي لي بدايةً أن أقتبس من حقوق ملكيّتك الصوتيّة "أهواك بلا أمل"، هكذا عرفتُ عشقها دائمًا، هكذا كانت تعطيني أملًا في الحياة اكثر ممّا كانت تجود على حبنا به الحياة،

لقد تربّيتُ تربيةً دينيّة، في أسرة مسلمة كاثوليكيّة الطباع.. وسط مجتمع آرثوذكسيًّا متزمّتًا في نفاقه، و هكذا عرفت الحب، حُبًا طاهرًا، نقيًّا..

طاهرًا، نقيًّا، نعم.. هنا مربط الفرس، هذا السؤال الذي طالما حاولت جاهدًا للحصول على إجابته، ما هو مفهوم الطهارة و النقاء في حبّي لها؟
-لا شئ، كل الأصابع تُشير إلى مابين أرجلنا -عرفته دائمًا مصدر الحياة، و تعلّمته مصدر الموت-، و أعيننا تكاد تخرق مُقلتيها لتنظر إلى ما بين فصّي دماغنا.

لم يتسنَّ لنا أن نعرف الظروف التي مات فيها ابن ستالين إلا من خلال مقال نشرته مجلة (السانداي تايمز) عام 1980. فبعد أن أسرهُ الألمان خلال الحرب العالمية، أُدخِل في معسكر الاعتقال نفسه مع ضباط إنجليز أسرى. كانت مراحيضهم مشتركة في المعسكر وكان ابن ستالين يتركها دائماً متّسخة. والإنجليز، لم يكونوا يحبون رؤية مراحيضهم ملطّخة بالبراز، حتى ولو كان ذلك البراز يخصّ ابن الرجل الأكثر نفوذاً في العالم آنذاك. كانوا يلومونه على ذلك فاستاء منهم. ثم عاودوا تأنيبه وأجبروه على تنظيف المراحيض. فغضب ثم تخاصم وتعارك وإياهم، وطلب في النهاية مقابلة آمر العسكر. كان يريده أن يحكم في نزاعهم لكنّ الألماني كان أكثر اعتزازاً بنفسه من أن يتجادل بخصوص البراز. فأطلق ابن ستالين شتائم روسيّة شنيعة ثم انقضّ باتجاه الأسلاك الشائكة المحيطة بالمعسكر والمزوّدة بتيار من التوتّر العالي. ترك نفسه يتهاوى فوق الأسلاك. وجسده الذي لن يلوّث المراحيض البريطانية بعد الآن، بقي معلّقاً هناك. 
-و بقي جسدي معلّقاً في تيّار أسلاك معسكرها الشائكة-

لم تكن حياة ابن ستالين سهلة، فقد أنجبه والده من امرأة كان كل شيء يؤكد بأنه سيقتلها يوماً ما. كان ستالين الابن إذاً ابناً للإله (لأن أباه كان جليلاً وكأنه إله) وملعوناً في الوقت نفسه من الإله. كان الناس يهابونه لسببين: الأول، لأنه كان بإمكانه أن يؤذيهم بسلطته (فهو على كل حال ابن ستالين) وبصداقته (لأن الأب كان يمكنه معاقبة الصديق بدلاً من الابن المنبوذ).

في بداية الحرب أسرهُ الألمان وسجنوه إلى جانب أسرى ينتمون إلى أمة كان يشعر نحوها دائماً بكره عميق وجامح بسبب تحفظّها الغريب. وفوق ذلك كان يتهمونه بأنه وسخ، هو الذي كان يحمل فوق كتفيه المأساة الأكثر عظمة التي قُدّر لها أن توجد (كان في الوقت نفسه كأنه ابن إله وملاكاً ساقطاً) فهل يجب أن يُدان بسبب أشياء غير عظيمة (لا تخصّ الله والملائكة) وإنما بسبب البراز؟ هل المأساة الأكثر عظمة والمأساة الأكثر ابتذالاً هما قريبتان بهذا الشكل المدوّخ؟ قريبتان بشكل مدوّخ؟ هل يمكن إذاً للتقارب أن يُسبّب الدُوَار؟

بالطبع، غداً عندما سيقترب القطب الشمالي من الجنوبي إلى حد التلامس تقريباً، فسيختفي الكوكب حينها وسيجد الإنسان نفسه في فراغ مدوّخ مما يجعله يستسلم لإغواء السقوط.

فإذا كانت النعمة واللعنة شيئاً واحداً، إذا لم يكن هناك فرق بين العظيم والحقير، إذا كان بالإمكان إدانته بسبب البراز، فإن الوجود الإنساني يفقد معناه ويصبح ذا خفّةٍ لا تطاق. عندها ينقضّ ابن ستالين باتجاه الأسلاك الشائكة المكهربة، لكي يرمي هناك بجسده، كأنما على كفّة ميزان، فتصعد الكفة المدفوعة بالخفّة غير المتناهية لعالم صار بدون أبعاد.

ابن ستالين قضى في سبيل البراز. ولكن الموت في سبيل البراز ليس موتاً مجرّداً من المعنى. فالألمان الذي ضحوا بحياتهم من أجل توسيع إمبراطوريتهم أكثر تجاه الشرق، والروس الذين ماتوا لكي تمتدّ سلطة بلادهم أكثر صوب الغرب. أجل، كل هؤلاء ماتوا من أجل بلاهة، وموتهم مجرّد من أي مغزى عام. أما موت ابن ستالين فكان بالمقابل، الموت الميتافيزيقي الوحيد وسط البلاهة العالميّة للرحب.

عندما كنت صغيراً، وحينما كنت أتصفح كتاب العهد القديم الذي أعدّ للأطفال والمزيّن بصور رسمها غوستاف دوريه، كنت أرى الرب فيها طائراً فوق غيمة. كان رجلاً عجوزاً له عينان وأنف ولحية طويلة. وكنت أقول في نفسي إنه ما دام له فم فيفترض به أن يأكل، وإذا كان يأكل فهذا يعني أن لديه أمعاء. ولكن هذه الفكرة كانت ترعبني في الحال. ومع أني كنت من عائلة ملحدة، فإنني كنت أشعر بأن هذه الفكرة المتعلقة بأمعاء الله، فكرة تجديفيّة.

ومن دون أي إعداد لاهوتي كان الطفل الذي كنتهُ آنذاك يفهم بشكل عفويّ أن هناك تناقضاً بين الدونيّات والله. وكنت أفهم بالتالي هشاشة الفرضيّة الأساسية لعلم الإناسة المسيحي والتي تقول بأن الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله.

كان (الغنوصيون) القدامى يعون هذه المسألة بالوضوح ذاته الذي كنت أراها فيه لما كنت في الخامسة من عمري. ولكي تُحسم هذه المسألة اللعينة، كان (فالنتين)، وهو أستاذ كبير للغنوصية في القرن الثاني، يؤكد أن المسيح كان (يأكل ويشرب ولكنه لم يكن يتغوّط).

البراز إذاً هو مسألة لاهوتيّة أكثر صعوبة من مسألة الشر. فالله قد أعطى الحريّة للإنسان وبذلك يمكننا أن نسلّم بأن الله ليس مسؤولاً عن جرائم البشر.

في القرن الرابع، كان القديس جيروم يرفض جذرياً أن يكون آدم وحوّاء قد تمكّنا من ممارسة الحب عندما كانا في الجنّة. خلافاً لذلك، كان جان سكوت إريجين وهو عالم لاهوتي شهير في القرن التاسع يسلّم بهذه الفكرة. ولكن حسب رأيه، كان بإمكان آدم جعل عضوه ينتصب بالطريقة نفسها تقريباً التي يرفع فيها ذراعه أو ساقه، إذاً ساعة ما يشاء وكيفما يشاء. ولا يتبادر إلى أذهاننا أن هذه الفكرة تخفي وراءها الحلم الأبدي للرجل المسكون بهاجس العجز الجنسيّ. إن لفكرة سكوت إريجين معنى آخر. إذا كان عضو الذكر يقوى على الانتصاب بمجرّد إيعاز من الدماغ، ينتج عن ذلك أن بإمكانه الاستغناء عن الإثارة. ذلك أن العضو لا ينتصب نتيجة لاهتياج المرء بل لأنه يأمره بذلك. كان هذا اللاهوتي الكبير يعتقد أن الشيء الذي لا يتفق والجنّة ليس الجماع ولا اللذّة التي تعقبه. إنما الشيء الذي لا يتفق والجنة هو الإثارة. فلنحفظ هذا جيداً: كانت اللذة موجودة في الجنة لا الإثارة.

نستطيع أن نجد من خلال نظرية سكوت مفتاحاً لتبرير لاهوتي (وبكلمة أخرى مفتاحاً لربّانيّة) البراز. طيلة الفترة التي سمح للإنسان فيها أن يسكن الجنة، إما أنه (تماماً كالمسيح حسب نظرية فالنتين) لم يكن يتغوّط، وإما أن البراز لم يكن يُعتبر شيئاً كريهاً، وهذه الفرضية أكثر قابليّة للتصديق. حين طرد الله الإنسان من الجنة، أوحى له بطبيعته النجسة وبالقرف. وأخذ الإنسان يستر ما كان يُشعره بالعار، وما أن أزاح الحجاب حتى بهره ضوء عظيم. إذاً بعد أن اكتشف الإنسان الدَنَس، اكتشف في الوقت ذاته الإثارة. فمن دون البراز (بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة) لما كان الحب الجنسي كما نعرفه: تصاحبه دقّات في القلب وعمى في الحواس.

إذا كانت كلمة براز يُستعاض عنها حالياً في الكتب بنٌقط، فهذا ليس لأسباب أخلاقية. يجب ألا نذهب إلى حدّ الادعاء بأن البراز شيء منافٍ للأخلاق! فالخلاف مع البراز خلاف ميتافيزيقي. هناك أمر من أمرين: إم أن البراز شيء مقبول (إذاً لا تُقفلوا على أنفسكم بالمفتاح وأنتم في المراحيض!) وإما أن الطريقة التي خُلقنا بها تُثير جدلاً.

ينتج عن ذلك أن الوفاق التام مع الكائن يتّخذ مثاله الأعلى عالماً يُنتفى منه البراز، ويتصرّف كل واحد فيه وكأن البراز غير موجود. هذا المثال الجمالي يُدعى (الكيتش).

كيتش هي كلمة ألمانية ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر العاطفي، ثم انتشرت بعد ذلك في جميع اللغات. ولكن استعمالها بكثرة أزال دلالتها الميتافيزيقيّة وهي: كلمة كيتش في الأساس نفي المُطلق للبراز. وبالمعنى الحرفي كما بالمعنى المجازي الكيتش تطرح جانباً كل ما هو غير مقبول في الوجود الإنساني.

*أو هكذا حدّثنا ميلان كونديرا، روايته "كائن لا تحتمل خفّته"، التي أهدتها لي لسبب ما، لم تعرفه، هي!

فلندأ إذًا من البداية "بداية كل شئ"، قبل 13.8 مليار سنة من تلك الحظة التي صعق فيها جسدي تيّار أسلاك معسكر اعتقالها، الكون لم يزل في طور الانفجار، الذي تلاه مباشرة انتحار أطنان المليارات من المادة المضادة لتتيح الفرصة أمام الباقي من قريناتها من المادة العاديّة المُتبقية من تلك المذبحة التي أنتجت ذلك الضوء الساطع في جنبات الكون و من بعدها النجوم فالكواكب فالحياة!

تتكون أجسادنا من 38% من نفس تلك المواد الناجية المكوّنة للنجوم.. هناك كانت التضحية الأولى، الإنقراض الشبه-جماعي الأول الذي عرفه كوننا، من أجل "الحياة"، هناك أول حياة تولد من رحم الموت، قبل أن يخلق المجتمع موتًا من فرج الحياة،


و هناك كانت بداية حكايتي معها، حيث البراز هو أحد آهم مكوناتها، بعيدًا عن هراء "الكيتش" و غوغائية الطهارة و النقاء..

Monday, 16 June 2014

تلاشي



تلك الوجوه المُمتلئة بالكُره و الغل و السُلطويّة و الإجرام تُذكرها دائمًا بجنازة أبيها, كانت تحِبه كثيراً و تسعد برؤياه حين يقتحم الباب مُحدِثًا ضجة كبيرة و زئير ناتج من إحتكاك أحبالِه الصوتيه ببعضها -تلك الأحبال التي طالما حاولت تصور سُمكها و آلية عملها داخل تلك الحنجرة الصغيرة نسبياً بما تُحدثه من صوت-, مُعلناً بذلك وصولِه إلى العرين, ف يرتعش جهاز التحكُّم عن بُعد في يدها و تُغيِّر في استعجال المحطة قبل أن يراها و تصفَر وجنتاها و يهرب الدم من عروقها إلى مكان بعيد من فرط خوفها قبل أن تتدارك الأمر سريعاً و تُرتب ملابسها و تقف خوفاً و استعداداً لملاقاتِه..
ف تُغمض عيناها لترى ظلام أرحم من تلك المشاهد -وجهه لم يختلف يوماً عن بعضهم كثيراً على أى حال, فهى مُذ أتمّت تلك الفترة القصيرة من طفولتها المُبكرة و لا تكاد تذكُر ولو ذكرى سعيدة لها في وجوده حتى تتلاشى سريعاً من ذاكرتها-.

لا مفر, ف رائحة عرقهم الذي وصل لتوِّه للحلقوم يأبى أن يُفارق أنفاسها و هى تنتفض على الأسفلت بحثاً عن رشفة أُكسُجين تُحاول بها استجماع ما تبقى لديها من خلايا حيّة, لتمُر بها الى نهاية ذلك النفق الطويل هُناك حين يغرق عقلها في النوم..

قدماها و ذراعاها يتحركان تلقائياً بهمجيّة شديدة و جسدها يرتعش, لم تعُد تشعر بأعضائها, ولا حتى التناسُليّة منها.. لكن هُناك ألم حاد في.. في بعض المناطق, الكثير منها, لا تذكرها, جسدها كله يؤلمها بشدة, لا تكاد تشعر بذلك الألم, حتى تنساه في غمرة صراعها.. 

لا بأس, تنفّسي لم يتبقى إلا القليل -أو الكثير لا أعلم-, سيملُّون الآن, تنفّسي فحسب..

أحدهُم حققني بأفيون!, لكنني لا زلت هنا.. بعض الشئ..
ليتهُم يفعلوا..

أذوب.
لا أشعر بجسدي الآن,
 كُليًّا..

هيّا يا عقلي الغبي غِبْ عن الوعى, إخلُد إلى النوم, تعطّل عن العمل, إفصل تيّارك الكهربي, أنا آمرك.. هيّا, مُتْ.. 

تنفّسي فحسب..
أكثر قليلاً, سيخلد إلى النوم الآن..

تنفَّسي.....

تنفَّسي....

تنفّسي...

تنفّسِ...

تنفّ...

Saturday, 22 February 2014

مشاهد مُتقطِّعة






شردت للحظات بعد ذلك المشهد الذي مر سريعاً على فص مُخّي الجّبهي -كُنتِ بطَلَته كما اعتدت مُنذ خلافنا الأخير-, رأيت شاباً على إحدى مقاهي جدّات باريس يتذوق أحمر شفاه فتاته الشقراء و قد اتّخذت من رُكبتيه كُرسياً كتلك المصفوفة أمام بار إحدى الحانات حين أزعجتهُ قليلاً خُصلة من شعرها المُنسدِل على وجهها حيثُ حالت بينه و بين شفتيها, فباغتته بمُداعبة لطيفة و ابتسامة تذوب لها ثلوج قمم ألاسكا في ذُروة الشتاء, فأومأ بوجهٍه راضياً قنوعاً بتلك الابتسامة الصغيرة المُتأسِّفة عمّا بدر من خُصلة شعرها التي حرمته من قمة نشوة مشهد من الجنّة.. ثُم مر على مُخيِّلتي عجوزُ و زوجُه قد جار عليهم الزمن و تجرع من ماء وجههم حتى تجعّدت علاقتهم بين روتينية مُشكلات الحياة و خلافات وجهات النظر و اضمحلال ذاكرة أحدهم حتى لا تقوى على استحضار ذلك التاريخ المنحوت على ذاكرة الآخر, كما الجروح المنحوتة على أوردة الأول, ولا يزال تقديس قلوبهم لتلك العلاقة يفوق تشكيك عقولهم بوجودها المادي, و تفوق تلك النشوة التي لم تغِب يوماً حدود مُشكلاتهم و خلافاتهم اليومية فيلوذ كلاهما بالفرار إلى حُضن الآخر لتذوب بداخله فتختفي ولا تكاد تشعر أنسجتُه بغير الدفء ولا تُصغي أذنيه لغير الموسيقى القادمة من ذلك الغرامافون الذي قلّما يشعُرا بجمال الحياة دونه.. فذاب بداخلي ذلك الخلاف حتى أنني نسيت في خضم خلافاتنا الكثيرة مؤخراً في أي موضوع قد اختلفنا مُجدداً, و لم أُفكر بغير تلك الدقائق بل الثواني التي نتفنن في اختلاق أسباب نبتعد على إثرها فيها عن حانتنا الخاوية من البشر حيثُ نحتسي خمرنا, فصُعِقت للحظة و كأن أحدهم قد مرر بداخلي تيار كهربي بقوة تفوق جهده ال1000 فولت فسُرعان ما رميت قلمي و انتفضت من على كُرسيِّ أمام بار مطبخي المُطل على الصالة و خطفت بعض الملابس –لم أر شكلها- المُنتشرة في كُل مكان على أرضية صالة شقتي الموحشة, و ذهبت ألهث مُسرعاً إلى هُناك حتى وصلت إلى الباب المفتوح مُسبقاً لأستند عليه مذهولاً و أنتِ واقفة قُرب البار المُقابل مُنتصبة الجسد بشعرك الأسود المُنسدل على ظهرك الذي طالما أحببته, تقبضين بيدكِ اليُمنى نصف زُجاجة Heineken فارغة مُدببة الأحرُف تتقاطر بداخلها قطرات من دم يتسرّب من يدك, فصُعقت مرة أُخرى و بنفس قوة التيار التي مرت بجسدي و قد إستدارت عيني بقُطر يتجاوز ال10 سم و أنا جالس على كُرسيِّ أمام بار مطبخي..
يُراودني ذلك الحلم يوميّاً بعد أنا أغفو مُتعباً من تكرار عقلي الباطن لاسمك..


Friday, 14 February 2014

يوماً لا يذكُر ملامِحي



الحياة ليست مُنصفة على كُل حال..
هي دائماً تُريد الحرب, القتال, لا تخضع أمامكِ هَكذا, وحدها..

أعلم أنني أُزعجكِ بأحاديثِ غريبة دائماً, لكن أعِدُك أن هذا سيكون الأخير..
أعلم أيضاً أنني دائماً ما أُخلف وعودي, لكن, على أي حال..

فلسفتي في قسوة تلك الجبال, و هياج تلك الأمواج و غضب تلك الوحوش, مُختلفة قليلاً,
أنا مُتيقن أنها كانت يوماً لطيفة عمّا هي عليه الآن, يوماً لا يذكُر ملامحي..

في هذا اليوم, عندما أخبرتني أنني قد تغيّرت, تذكُرينَهُ..!
لم أكُن أهرب كما اعتّدتُ دائماً, أنا حتى لم أكُن أحاول..

لقد كسرُوني يا عزيزتي, لم أكُن قويّاً كفايةً كما كُنتِ تتخيليني..
يُريدوني دُميةً, كقصتِنا التي حرّكناها على المسرح سوياً, صفقوا لنا بحرارة يومها, و لم نكن نعرف لمَاذا,
عرفتُ الآن..

هُم مُتحمِّسون جداً ليربطوا رؤوسنا بخيوطهم المُتدليِّة من أصابعهُم..
ضحايا جُدُد..

ألم أُخبركِ!, ذهبت كثيراً إلى مكانِنا الذي كُنا نلتقي فيه دائماً, لن تذكُرينهُ, فنحنُ لم نذهب إليه يوماً قبل ذلك..

تقطيعي لخيوطِهم لم يكُن شذوذاً, لم يكُن كُفراً, كما يُخبروكِ,
 أنا كفرتُ بهم..

ينكشفُ كُل شًئِ تحت الأضواء في ذلك المكان البعيد, مُضئ جدّاً و ملئ بهُم, لذا كُنت أخاف الذهاب إليه, سامِحيني..

قالت أُمي لأخي الصغير في نهار يومِ من أيامِ أيلول, و رأسها مُتدلياً من شِبّاك غُرفتي و هو ذاهب ليتلقّى دروسَه: سِرْ حيثُ لا تُمطر, ثُم نظرت إلىَ باسمة و أنا جالس فوق سريري و قالت: و كأني أُخبره ألا يسير تحت الشمس, كيف يسير حيثُ لا تُمطر, والشتاء في كُلِ مكان!, فابتَسَمْت.

أُمي دائماً ما كانت على صواب..!

لقد تحطّم البيت, الذي كُنا نتأمّلهُ دائماً و أنتي جالسة بجانبي على الضفة الأُخرى من النهر مُرتخية كأوراق شجر الخريف و هي تتهاوى, ورأسك قد تهاوى على صدري, الشجرُ كان يافعاً, ينظُر لنا, حين كانت تغنّي العصافير على غصونِه, صدري كان قويّاً وقتها ليتحمّلكِ..

لقد كُنت لطيفاً يوماً, عمّا أنا عليه الآن, يوماً لا يذكًر ملامحي..

لقد كسرتِني يا عزيزتي..

Monday, 6 January 2014

و لماذا دائماً أشتاقُكِ



يوماً ما كُنت شئ صغير, أصغر مما تتخيلي..
كُنت لا أأبه لتلك الأشياء, أشياء الكِبار التي تجعلهم يبكون بالساعات..
ينتظرون, ولا يأتي شئ..
أنا فقط كُنت أتابع إنتظارهم, بملل
شديد..

فلماذا بهذه السرعة جعلتي مني شاعراً!
و لماذا دائماً أشتاقُكِ؟

كبرت قليلاً, و مازال المُنتظر, مُنتظر..
ولا أعلم أين ذلك الغائب..!
فكان عقلي دائماً ما يُحدثني بأنه قد يكون مُسافراً..
لكنه يظل دائماً مُسافراً
و يأبى العودة..!

فلماذا, فقط لا يطلب المُنتظر من الغائب أن يعود من سفرِه!
ولماذا دائماً أشتاقُكِ؟

..حين مررت بصعوبة من تلك الفترة, التي يشعر فيها المرء بتقلُبات نفسية مع تلك الطفرة الجسدية المُملة.. لم أكُن قد عرفت مفهوم مُحدد لتلك الحالة التي تُسمى بـ"الحُب", ولم أكُن أعلم لِمَ كُل تلك الأغاني و الشعر و المخزون الأدبي العتيق العظيم لدى البشرية بأسرها, لِمَ تلك الرهبة التي أراها في أعين الناس حين يفقدون شريكهم, ولِمَ تلك اللهفة التي تتدفق من أجسادهم كتدفُق المياة من سد عظيم قد هُدم لتوه..

لماذا كُل تلك المشاعر!
و لماذا دائماً أشتاقُكِ ؟ 

عقلي في تلك الفتره لم يكُن مُدركاً لتلك الأشياء التي أراها الآن..
فأنا هُنا بنفس العينين و الأُذنين. بنفس الحواس, لم أُجري جراحات بأى منها, لكنّي أرى الكون مُختلفاً!
كأنني و لأول مرة أراه, أرى تفاصيل جديدة و أسمع ترددات غريبة و أشعر بأشياء لم تكن مُمكنة حينها, حين كنت أراقب من بعيد
بملل: دفء, مطر, قهوة و نيكوتين, خفقات مُضطربة, موسيقى, عقارب ساعتي
و قيود تُكبلني..

فلماذا أرى تلك القيود التي تَحُولني عن سؤالك أن تعودي من ذلك السفر!
ولماذا دائماً أشتاقُكِ؟

*أما آن للمُنتظر أن يُسافِر..*